سورة الأنفال - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنفال)


        


{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16)}
فيه سبع مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {زَحْفاً} الزحف الدنو قليلا قليلا. وأصله الاندفاع على الألية، ثم سمي كل ماش في الحرب إلى آخر زاحفا. والتزاحف: التداني والتقارب، يقال: زحف إلى العدو زحفا. وازدحف القوم، أي مشى بعضهم إلى بعض. ومنه زحاف الشعر، وهو أن يسقط بين الحرفين حرف فيزحف أحدهما إلى الآخر. يقول: إذا تدانيتم وتعاينتم فلا تفروا عنهم ولا تعطوهم أدباركم. حرم الله ذلك على المؤمنين حين فرض عليهم الجهاد وقتال الكفار. قال ابن عطية: والأدبار جمع دبر. والعبارة بالدبر في هذه الآية متمكنة الفصاحة، لأنها بشعة على الفار، ذامه له.
الثانية: أمر الله عز وجل في هذه الآية ألا يولي المؤمنون أمام الكفار. وهذا الأمر مقيد بالشريطة المنصوصة في مثلي المؤمنين، فإذا لقيت فئة من المؤمنين فئة هي ضعف المؤمنين من المشركين فالفرض ألا يفروا أمامهم. فمن فر من اثنين فهو فار من الزحف. ومن فر من ثلاثة فليس بفار من الزحف، ولا يتوجه عليه الوعيد. والفرار كبيرة موبقة بظاهر القرآن وإجماع الأكثر من الأئمة. وقالت فرقة منهم ابن الماجشون في الواضحة: إنه يراعى الضعف والقوة والعدة، فيجوز على قولهم أن يفر مائة فارس من مائة فارس إذا علموا أن ما عند المشركين من النجدة والبسالة ضعف ما عندهم. وأما على قول الجمهور فلا يحل فرار مائة إلا مما زاد على، المائتين، فمهما كان في مقابلة مسلم أكثر من اثنين فيجوز الانهزام، والصبر أحسن. وقد وقف جيش مؤتة وهم ثلاثة آلاف في مقابلة مائتي ألف، منهم مائة ألف من الروم، ومائة ألف من المستعربة من لخم وجذام. قلت: ووقع في تاريخ فتح الأندلس، أن طارقا مولى موسى بن نصير سار في ألف وسبعمائة رجل إلى الأندلس، وذلك في رجب سنة ثلاث وتسعين من الهجرة، فالتقى وملك الأندلس لذريق وكان في سبعين ألف عنان، فزحف إليه طارق وصبر له فهزم الله الطاغية لذريق، وكان الفتح. قال ابن وهب: سمعت مالكا يسأل عن القوم يلقون العدو أو يكونون في محرس يحرسون فيأتيهم العدو وهم يسير، أيقاتلون أو ينصرفون فيؤذنون أصحابهم؟ قال: إن كانوا يقوون على قتالهم قاتلوهم، وإلا انصرفوا إلى أصحابهم فأذنوهم.
الثانية: واختلف الناس هل الفرار يوم الزحف مخصوص بيوم بدر أم عام في الزحوف كلها إلى يوم القيامة؟ فروي عن أبي سعيد الخدري أن ذلك مخصوص بيوم بدر، وبه قال نافع والحسن وقتادة ويزيد بن أبي حبيب والضحاك، وبه قال أبو حنيفة. وأن ذلك خاص بأهل بدر فلم يكن لهم أن ينحازوا، ولو انحازوا لانحازوا للمشركين، ولم يكن في الأرض يومئذ مسلمون غيرهم، ولا للمسلمين فئة إلا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأما بعد ذلك فإن بعضهم فئة لبعض. قال الكيا: وهذا فيه نظر، لأنه كان بالمدينة خلق كثير من الأنصار لم يأمرهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالخروج ولم يكونوا يرون أنه قتال، وإنما ظنوا أنها العير، فخرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيمن خف معه. ويروى عن ابن عباس وسائر العلماء أن الآية باقية إلى يوم القيامة. احتج الأولون بما ذكرنا، وبقوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ} فقالوا: هو إشارة إلى يوم بدر، وأنه نسخ حكم الآية بآية الضعف. وبقي حكم الفرار من الزحف ليس بكبيرة. وقد فر الناس يوم أحد فعفا الله عنهم، وقال الله فيهم يوم حنين {ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} ولم يقع على ذلك تعنيف.
وقال الجمهور من العلماء: إنما ذلك إشارة إلى يوم الزحف الذي يتضمنه قوله تعالى: {إِذا لَقِيتُمُ}. وحكم الآية باق إلى يوم القيامة بشرط الضعف الذي بينه الله تعالى في آية أخرى، وليس في الآية نسخ. والدليل عليه أن الآية نزلت بعد القتال وانقضاء الحرب وذهاب اليوم بما فيه. وإلى هذا ذهب مالك والشافعي وأكثر العلماء.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «اجتنبوا السبع الموبقات- وفية- والتولي يوم الزحف» وهذا نص في المسألة. وأما يوم أحد فإنما فر الناس من أكثر من ضعفهم ومع ذلك عنفوا. وأما يوم حنين فكذلك من فر إنما انكشف عن الكثرة، على ما يأتي بيانه.
الرابعة: قال ابن القاسم: لا تجوز شهادة من فر من الزحف، ولا يجوز لهم الفرار وإن فر إمامهم، ومن يولهم يومئذ دبره الآية. قال: ويجوز الفرار من أكثر من ضعفهم، وهذا ما لم يبلغ عدد المسلمين اثني عشر ألفا، فإن بلغ اثني عشر ألفا لم يحل لهم الفرار وإن زاد عدد المشركين على الضعف، لقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «ولن يغلب اثنا عشر ألفا من قلة» فإن أكثر أهل العلم خصصوا هذا العدد بهذا الحديث من عموم الآية. قلت: رواه أبو بشر وأبو سلمة العاملي، وهو الحكم بن عبد الله بن خطاف وهو متروك. قالا: حدثنا الزهري عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وغلم قال: «يا أكثم بن الجون اغز مع غير قومك يحسن خلقك وتكرم على رفقائك. يا أكثم بن الجون خير الرفقاء أربعة وخير الطلائع أربعون وخير السرايا أربعمائة وخير الجيوش أربعة آلاف ولن يؤتى اثنا عشر ألفا من قلة». وروي عن مالك ما يدل على ذلك من مذهبه وهو قوله للعمري العابد إذ سأله هل لك سعة في ترك مجاهدة من غير الأحكام وبدلها؟ فقال: إن كان معك اثنا عشر ألفا فلا سعة لك في ذلك.
الخامسة: فإن فر فليستغفر الله عز وجل. روى الترمذي عن بلال بن يسار بن زيد قال: حدثني أبي عن جدي سمع النبي صلى الله عيلة وسلم يقول: «من قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفر الله له وإن كان قد فر من الزحف». قال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
السادسة: قوله تعالى: {إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ} التحرف: الزوال عن جهة الاستواء. فالمتحرف من جانب إلى جانب لمكايد الحرب غير منهزم، وكذلك المتحيز إذا نوى التحيز إلى فئة من المسلمين ليستعين بهم فيرجع إلى القتال غير منهزم أيضا. روى أبو داود عن عبد الله بن عمر أنه كان في سرية من سرايا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فحاص الناس حيصة، فكنت فيمن حاص، قال: فلما برزنا قلنا كيف نصنع وقد فررنا من الزحف وبونا بالغضب. فقلنا: ندخل المدينة فنتثبت فيها ونذهب ولا يرانا أحد. قال: فدخلنا فقلنا لو عرضنا أنفسنا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن كانت لنا توبة أقمنا، وإن كان غير ذلك ذهبنا. قال: فجلسنا لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل صلاة الفجر، فلما خرج قمنا إليه فقلنا، نحن الفرارون، فأقبل إلينا فقال: «لا بل أنتم العكارون» قال: فدنونا فقبلنا يده. فقال: «أنا فئة المسلمين». قال ثعلب: العكارون هم العطافون.
وقال غيره: يقال للرجل الذي يولي عند الحرب ثم يكر راجعا: عكر واعتكر.
وروى جرير عن منصور عن إبراهيم قال: انهزم رجل من القادسية فأتى المدينة إلى عمر فقال: يا أمير المؤمنين، هلكت! فررت من الزحف. فقال عمر: أنا فئتك.
وقال محمد بن سيرين: لما قتل أبو عبيدة جاء الخبر إلى عمر فقال: لو انحاز إلي لكنت له فئة، فأنا فئة كل مسلم. وعلى هذه الأحاديث لا يكون الفرار كبيرة، لأن الفئة هنا المدينة والإمام وجماعة المسلمين حيث كانوا. وعلى القول الآخر يكون كبيرة، لأن الفئة هناك الجماعة من الناس الحاضرة للحرب. هذا على قول الجمهور أن الفرار من الزحف كبيرة. قالوا: وإنما كان ذلك القول من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعمر على جهة الحيطة على المؤمنين، إذ كانوا في ذلك الزمان يثبتون لأضعافهم مرارا. والله أعلم.
وفي قوله: «والتولي يوم الزحف» ما يكفي.
السابعة: قوله تعالى: {فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} أي استحق الغضب. واصل باء رجع وقد تقدم. {وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ} أي مقامه. وهذا لا يدل على الخلود، كما تقدم في غير موضع. وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم غفر له وإن كان قد فر من الزحف».


{فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17) ذلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ (18)}
قوله تعالى: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ} أي يوم بدر. روي أن أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما صدروا عن بدر ذكر كل واحد منهم ما فعل: قتلت كذا، فعلت كذا، فجاء من ذلك تفاخر ونحو ذلك. فنزلت الآية إعلاما بأن الله تعالى هو المميت والمقدر لجميع الأشياء، وأن العبد إنما يشارك بتكسبه وقصده. وهذه الآية ترد على من يقول بأن أفعال العباد خلق لهم. فقيل: المعنى فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم بسوقهم إليكم حتى أمكنكم منهم.
وقيل: ولكن الله قتلهم بالملائكة الذين أمدكم بهم. {وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ} مثله، {وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى}. واختلف العلماء في هذا الرمي على أربعة أقوال: الأول- إن هذا الرمي إنما كان في حصب رسول الله صلى الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم حنين، رواه ابن وهب عن مالك. قال مالك: ولم يبق في ذلك اليوم أحد إلا وقد أصابه ذلك. وكذلك روى عنه ابن القاسم أيضا.
الثاني- أن هذا كان يوم أحد حين رمى أبي بن خلف بالحربة في عنقه، فكر أبي منهزما. فقال له المشركون: والله ما بك من بأس. فقال: والله لو بصق علي لقتلني. أليس قد قال: بل أنا أقتله. وكان أوعد أبي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالقتل بمكة، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «بل أنا أقتلك» فمات عدو الله من ضربة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مرجعه إلى مكة، بموضع يقال له سرف. قال موسى بن عقبة عن ابن شهاب: لما كان يوم أحد أقبل أبي مقنعا في الحديد على فرسه لا نجوت إن نجا محمد، فحمل على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يريه قتله. قال موسى بن عقبة قال سعيد بن المسيب: فاعترض له رجال من المؤمنين، فأمرهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فخلوا طريقه، فاستقبله مصعب بن عمير يقي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقتل مصعب ابن عمير، وأبصر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ترقوة أبي بن خلف من فرجة بين سابغة البيضة والدرع، فطعنه بحربته فوقع أبي عن فرسه ولم يخرج من طعنته دم. قال سعيد: فكسر ضلعا من أضلاعه، فقال: ففي ذلك نزل {وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى}. وهذا ضعيف، لأن الآية نزلت عقيب بدر.
الثالث- أن المراد السهم الذي رمى به رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حصن خيبر، فسار في الهواء حتى أصاب ابن أبي الحقيق وهو على فراشه. وهذا أيضا فاسد، وخيبر وفتحها أبعد من أحد بكثير. والصحيح في صورة قتل ابن أبي الحقيق غير هذا.
الرابع- أنها كانت يوم بدر، قال ابن إسحاق. وهو أصح، لأن السورة بدرية، وذلك أن جبريل عليه السلام قال للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خذ قبضة من التراب» فأخذ قبضة من التراب فرمى بها وجوههم فما من المشركين، من أحد إلا وأصاب عينيه ومنخريه وفمه تراب من تلك القبضة، وقاله ابن عباس، وسيأتي. قال ثعلب: المعنى {وَما رَمَيْتَ} الفزع والرعب في قلوبهم {إِذْ رَمَيْتَ} بالحصباء فانهزموا {وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى} أي أعانك وأظفرك. والعرب تقول: رمى الله لك، أي أعانك وأظفر وصنع لك. حكى هذا أبو عبيدة في كتاب المجاز.
وقال محمد بن يزيد: وما رميت بقوتك، إذ رميت، ولكنك بقوة الله رميت. {وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً} البلاء ها هنا النعمة. واللام تتعلق بمحذوف، أي وليبلي المؤمنين فعل ذلك. {ذلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ} قراءة أهل الحرمين وأبي عمرو. وقراءة أهل الكوفة {مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ}.
وفي التشديد معنى المبالغة. وروي عن الحسن {مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ} بالإضافة والتخفيف. والمعنى: أن الله عز وجل يلقى في قلوبهم الرعب حتى يتشتتوا ويتفرق جمعهم فيضعفوا. والكيد: المكر. وقد تقدم.


{إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19)}
قوله تعالى: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ} شرطه وجوابه. وفية ثلاثة أقوال: يكون خطابا للكفار، لأنهم استفتحوا فقالوا: اللهم أقطعنا للرحم وأظلمنا لصاحبه فانصره عليه، قاله الحسن ومجاهد وغيرهما. وكان هذا القول منهم وقت خروجهم لنصره العير.
وقيل: قاله أبو جهل وقت القتال.
وقال النضر بن الحارث: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. وهو ممن قتل ببدر. والاستفتاح: طلب النصر، أي قد جاءكم الفتح ولكنه كان للمسلمين عليكم. أي فقد جاءكم ما بان به الأمر، وانكشف لكم الحق. {وَإِنْ تَنْتَهُوا} أي عن الكفر {فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}. {وَإِنْ تَعُودُوا} أي إلى هذا القول وقتال محمد. {نَعُدْ} إلى نصر المؤمنين. {وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ} أي {عن} جماعتكم {شَيْئاً}. {وَلَوْ كَثُرَتْ} أي في العدد.
الثاني- يكون خطابا للمؤمنين، أي إن تستنصروا فقد جاءكم النصر. وإن {تَنْتَهُوا} أي عن مثل ما فعلتموه من أخذ الغنائم والأسرى قبل الإذن، {فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}. و{وَإِنْ تَعُودُوا} أي إلى مثل ذلك نعد إلى توبيخكم. كما قال: {لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ} الآية.
والقول الثالث- أن يكون {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ} خطابا للمؤمنين، وما بعده للكفار. أي وإن تعودوا إلى القتال نعد إلى مثل وقعة بدر. القشيري: والصحيح أنه خطاب للكفار، فإنهم لما نفروا إلى نصر العير تعلقوا بأستار الكعبة وقالوا: اللهم انصر أهدى الطائفتين، وأفضل الدينين. المهدوي: وروي أن المشركين خرجوا معهم بأستار الكعبة يستفتحون بها، أي يستنصرون قلت: ولا تعارض لاحتمال أن يكونوا فعلوا الحالتين. {وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} بكسر الألف على الاستئناف، وبفتحها عطف على قوله: {وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ}. أو على قوله: {أَنِّي مَعَكُمْ}. والمعنى: ولأن الله، والتقدير لكثرتها وأن الله. أي من كان الله في نصره لم تغلبه فئة وإن كثرت.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8